الشاعر الكبير نعيم خوري يسلم عام 1992 اولى جوائز شربل بعيني

قليلون هم الذين يعرفون أن الشاعر المهجري الكبير المرحوم نعيم خوري، كان أول من سلم جائزة شربل بعيني عام 1992 لإحدى طالبات معهد الأبجدية في مدينة جبيل اللبنانية وكان اسمها ريتا بواري، وقد ألقى يومذاك كلمة رائعة وقصيدة أروع، جعلتا من زيارته الى لبنان زيارة أدبية مئة بالمئة، وقد أشاد مؤسس الجائزة الدكتور الخالد عصام حداد بشعر نعيم، وتوطدت بينهما صداقة قوية، اليكم ما قال:
آنسة ريتا
يطيب لي أن أقدّم لك باسم شربل بعيني، صاحب هذه الجائزة، جائزة الشاعر شربل بعيني، وأن أشكر المعهد، معهد الأبجديّة في جبيل، الذي رعاك وتعهّدك، فتفوقت وبرهنت بالاجتهاد المميّز، وبالعقليّة الأخلاقيّة الجديدة، شعار هذا العصر، وبالنتائج الباهرة التي أحرزت، أنك أهل لهذه الجائزة، وجديرة بها.
إنّ صديقي وأخي الشاعر شربل بعيني معروف بأنه شاعر الغربة الطويلة، وأنا أطلق عليه المحبّة والآلام، المحبّة التي تشترط ولا تتباهى، والآلام العظيمة التي تنتظر كلّ ذي نفس كبيرة.
أنتم في الوطن المقيم تمارسون على مستوى الإنسان فعل هذه المحبّة، وتدفعون ضريبة الآلام العظيمة في سبيل الحياة والحريّة والكرامة. ونحن في منفانا الاختياري رسل محبّة، وشهداء آلام، نعاني مما تعانون، ولكننا نسير طريقنا الطويل، يعزّز مسيرتنا الإيمان، ويهزّنا شوق حيّ لننشق فوح دمنا في تراب الوطن المبارك.
آمنوا بوجود هذا الوطن. حافظوا عليه، واحفظوا رسالته. اعملوا لديمومته في نطاق الحريّة والسيادة والاستقلال. عمّروه إنساناً إنساناً، وحجراً حجراً، ودرباً درباً، لتلتقي مجهوداتكم في دروب بقائه. إنه أحلى أوطان الأرض وأغلاها.
وأنت يا عزيزتي ريتا، أكرّر لك تهنئتي وتمنيّاتي القلبيّة الطيّبة، راجياً لك اضطراد النجاح، ومزيداً من التفوّق والإبداع. ولا تنسي، أنت ورفيقاتك، أن تستمرّي في العمل بتوجيه الدكتور عصام حدّاد، فهو صورة مصغّرة عن الوطن الكبير بالمحبّة والتفاني والعصاميّة، التي لا تعرف الحواجز والحدود.
ولكم جميعاً من الشاعر شربل بعيني، ومن رابطة إحياء التراث العربي في سيدني، ومني شخصياً أطيب التمنيّات، لتحقّقوا تطلّعاتكم الكبيرة ثقة بالنفس، وإيماناً بالحياة الحرّة الراقية، فتكونوا أهلاً بالرسالة، رسالة المعرفة التي حملتها جبيل إلى العالـم، منذ فجر التاريخ وصباح الدنيا.
**
جبيل جئتك في عينيّ عاصفةٌ
من اللّهيبِ، وشوقٌ عانقَ الشّهُبَا
مدّي يديك بساط الضوء وامتشقي
سيفَ الرياح، وخلّي اللومَ والعتَبَا
ما زلتِ ملعبَ أحلامي، وأجنحتي
يضفي عليها الهوى الأمجادَ والحقُبَا
أنا الذبيحُ، يمرّ الحبّ من فرحي
ومن صدى وجعي الأضواءَ والسّحُبَا
زرعت في وهجها صوتي وفوحَ دمي
وفي شذاها السّنا والعطرَ والذهَبَا
أطوف فيها وجرحي لا يفارقني
كأنما الجرح تحكي نارُه الغضَبَا
وما تعبت.. ولكن كاد يقتلني
فيها انسجامي، وحبّي يتعبُ التّعَبَا
مرّي يديك على رئتيَّ واشتعلي
لا يحصد النّارَ مَن لا يزرع اللَّهَبَا
يا لهفة المجد أين المجد في وطنٍ
يطلِّق اللـهَ والإنسانَ والكُتُبَا
وأين أين العلى والشعب منسحقٌ
يطأطىء الرأس حتّى يلحسَ الذّنَبَا
وأين أين تراث الفكر ملحمة
من النضال تهزّ الوعيَ والأُدُبَا
لا يعرف العزَّ مَن في الذّلّ موقعه
أو يعرف اللـهَ مَن لا يعرفُ الأَدَبَا
جبيل، يا شغفاً في القلب أزرعه
ويا ارتياداً على الآفاق مُلتَهِبَا
العار فينا.. وطعم العار في دمنا
فهل نلوم السِّوى عنّا أو الغُرَبَا
مرّي على دمنا يوماً بعاصفةٍ
تزوبع الفكرَ حتّى يبدعَ العجَبَا
وزلزلي الأرض فالزلزال أجمله
أن يخلق الوعي لا أن يتركَ الخِرَبَا
أنا الغريب صداه لا يزال هنا
وفي هنالك صوت الرعد مصطخِبَا
أنا الغريب وفي المنفى صدى وجعي
وفي دروبك أطوي الموت مرتعِبَا
طلّي على أفقي المفترّ وانتصبي
وجهاً يضيء فيطفي الليل والشَّغَبَا
وسمّريني على أرضي وفي وطني
كما المسيح رسول الحبّ قد صُلِبَا
يا مصدر الحرف حيّي الشعرَ وانتفضي
ففي ترابِك أحلى الشعر قد طربا
بنت الشواطي على قدميك قد ركعت
كلّ العصور، وفاض النورُ وانسكبَا
أتيتك اليوم من سيدني وفي عدمي
شوق يهزهز منّي القلب والهُدُبَا
ومن تراثك في كفيَّ بدء غدٍ
"بالأبجديّة" سوّى المجد والتهَبَا
يقوم لبنان إن قمّت، وإن نضبت
فيك المعاني، فكلّ الكون قد نضَبَا
**

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق