دنيا أسعد البصري

كما نشر في العراقية
من قال ان الشعر موضة يجب أن تتغيّر كل سنة، كالفساتين والجزادين والأحذية؟
من قال ان القصيدة طبخة متى باتت وبردت امتنع الناس عن تناولها؟
من قال ان للشعر عمراً  محدداً  متى تجاوزه مات، كالانسان والحيون تماماً؟
وهل بإمكان جميع شعراء العصر على امتداد الكرة الأرضية أن يأتوا بما أتى به المتنبي وشكسبير وغيرهما من العظماء؟
وصدقوني إذا قلت: ما اساء أحد الى الشعر كما أساء إليه بعض الشعراء، فمن خلال كثرة مدارسهم العقيمة، وفذلكاتهم المضحكة، وتبجحهم المقرف، وتهجماتهم البغيضة على بعضهم البعض، إفرنقع عشاق الشعر، واضمحل الشعراء، ولم يبقَ للشعر ناشر.
والمضحك في الأمر ان العديد من الشعراء لم يعترفوا بالهزيمة بعد. 
ما كتبه أسعد البصري لابنته "دنيا" يوم ولادتها عام 2000، تحت عنوان "قصائد قديمة" سيرحل هو وابنته، بعد عمر طويل، وسيبقى خالداً مخلداً.
لا يوجد في الشعر قصائد قديمة وقصائد حديثة، بل قصائد جميلة، وكل تسمية غير هذه باطلة.
فتعالوا نتنعّم بما كتب:
غارقٌ بالحبّ مثل قاربٍ مليءٍ بالرصاص 
هذي هي الدّنيا 
فمن أيّ حديقةٍ أسرقُ العمرَ 
ومن أيةِ نجمةٍ سوف تفتحين السّؤال 
أبوكِ مندهِشٌ 
على عينيه سالَتْ مُدُنٌ 
رأى الليلَ شيخاً يُعلّمُ فنَّ الهدوء 
والمنفى عصاةً تربّي 
أبوكِ الطريقْ 
شجرةٌ مريضةٌ ، غابةٌ في الحريقْ 
نامي على ساعدي 
فأبوكِ الليل والنوم العميقْ
**
يبدأ البصري قصيدته بالحب الأبوي المثقل بالغربة والخوف، وينهيها بالحب الآمن على ساعديه:
غارقٌ بالحبّ مثل قاربٍ مليءٍ بالرصاص
لست أدري إذا كان أسعد من لاجئي القوارب الى كندا أم لا، تلك التي تحمل الخوف والموت معاً، خاصة إذا كانت مثقلة بالرصاص. وخير شاهد على ذلك تحطّم العشرات من المراكب الحبلى باللاجئين الابرياء على صخور شواطئنا الأسترالية، والتي بسببها تطايرت حكومات وسجنت شخصيات.
أما أسعد، فالشيء الوحيد الذي يطمئنه هو غرقه بالحب، الذي أثبته، لا بل ثبّته، في آخر القصيدة:
نامي على ساعدي 
فأبوكِ الليل والنوم العميقْ
ما هذه الأبوّة يا اسعد؟ 
فلقد رميت نفسك في ظلام الغربة والتشرد، وأبيت إلاّ ان تتقمّص الليل، بغية تأمين نوم عميق لجفنيّ من تحب.
ألهذه الدرجة يصل جنونك الأبوي؟
كل دقيقة يزور عالمنا آلاف الأجنة، ويفارقه آلاف العجائز، فلماذا كل هذا الاندهاش؟:
أبوك مندهش
على عينيه سالَتْ مُدُنٌ 
هذا إجرام ابداعي يا أسعد.. لا يقترفه إلا العمالقة.
والاجرام الإبداعي لا يحدث إلا في ساعة الوله الشديد، أو الغيبوبة الفكرية، أو سيطرة الدهشة على الحواس الخمس.
أمن أجل"دنيا" تخرب الدنيا، 
وتحوّل المدن قطرات دمع تسيل بسكانها وبنيانها من عينيك؟
لم أرَ في حياتي والداً متهوراً مثلك.
إهدأ يا أسعد.. 
فتّش عمّن يعلّمك الهدوء، فالحب المتهوّر قاتل:
أبوك مندهش
....... 
رأى الليلَ شيخاً يُعلّمُ فنَّ الهدوء 
والمنفى عصاةً تربّي
أعرفتم الآن لماذا تقمّص أسعد البصري الليل، وتحمّل الترحال، وداس أرصفة المدن؟
أعرفتم لماذا أصبح هادئاً كمياه بحيرة، بيده عصاة موسى، يشق بها عباب المنفى كي يصل الى برّ الأمان؟
إنه الاندهاش الشديد بطلّة "دنيا" فلذة كبده، وهل غير الاندهاش يأتي بصور شعرية رائعة كهذه:
هذي هي الدّنيا 
فمن أيّ حديقةٍ أسرقُ العمرَ 
أسعد البصري شاعر مبهر يعرف كيف يلتقط الكلمات من قاموسه اللغوي ليبهرنا بها، بعد أن يشعلها كالنجوم في بيوته الشعرية، ولسان حاله يردد: أكون أو لا أكون:
من أيةِ نجمةٍ سوف تفتحين السّؤال 
هو هكذا: مجنون بكلماته، بصوره، بأسئلته، فإما أن تحبّه كما يريدك أن تحبّه، وإما أن ترفضه وتغرق في هواجسك. أما أنا فلقد أحببته لأنه جدير بالحب.
الشيء الوحيد الذي استوقفني في القصيدة، وجعل المدن تسيل من عينيّ ايضاً، هي هذه الكلمات المؤثرة:
أبوكِ الطريقْ 
شجرةٌ مريضةٌ، غابةٌ في الحريقْ 
أطال الله بعمرك وعمر "دنياك"، يا أخي أسعد، فلقد علّمتنا من أين نسرق العمر، وإلى أي حديقة ندخل.
إنها حديقة إبداعك. 
شربل بعيني
سيدني ـ استراليا

هناك تعليق واحد:

  1. عصام ملكي7:05 م

    يا أسعد البصري بلا ترديد
    بحكي ضميري والكلام بعيد
    شعرك حلو ومطعّم بوجدان
    لجوع النظر رح نعملو زواويد
    حرف الهجا ما بيعتق وللآن
    هللي بيحب يطالعو بيفيد
    حتى حكاية كان يا ما كان
    منقولها ومنعيدها ومنزيد
    وكلمة يا أهلا انقالت من زمان
    بتاخد محل مصافحه بالإيد
    إنّو قديمه يقلّها الانسان
    وحياتك على المسك ما منريد
    وعنّا شعر ما بيكسر الأوزان
    عا كل منبر عم بيبقى سيد
    وعنا حداثه ونثر بالألوان
    معهم عا طول منعمل مواعيد
    والاسم يا أسعد عيان بيان
    ما بيعتق وهلّق على التأكيد
    انجينا على الانجيل والقرآن
    تنيناتهم مش شغل ها الايام
    وما في حدا بيقول بدنا جديد

    ردحذف